ما هي حقيقة الدماء السائلة فى الجنوب و من وراءها
دون أن ينخدع المتابعون للشأن الجنوبي ، فان ما يجري في جنوب السودان من صراع و اقتتال قبلي اسقط حتى الآن حوالي 1200 قتيل بحسب تقديرات المنظمة الدولية وشرد الآلاف ،و ساق آلاف آخرين للنزوح هذا بخلاف فقدان الممتلكات و هو في الواقع صراع قبلي عادي و مألوف لا غرابة فيه . بل يمكن القول أن قضايا الصراع القبلي في السودان باعتباره بلداً يعج بالقبائل المختلفة و يشبه القارة ، قضايا عادية و يدور أغلبها حول المرعي والمياه و الزراعة بحسب حرفة كل قبيلة و اهتماماتها .حدث هذه ولا يزال يحدث في دارفور،و حدث في وقت من الأوقات في شرق السودان .
الجديد بشأن الصراع القبلي الحالي الآن في الجنوب ، هو أولاً أنه دخل فيه السلاح الناري الحديث الشديد الفتك و التأثير خاصة إذا علمنا أن اقل تقدير لكمية السلاح المنتشر في الجنوب في أيدي المواطنين حالياً ربما يصل إلى 3 مليون قطعة! أما ثانياًُ ، فان الصراع يغذيه تدخل الجيش الشعبي بحكم أن الجيش الشعبي نفسه قائم على تعدد قبلي شبيه و مطابق للنسيج القبلي في الجنوب ، فقيام كتيبة من قبيلة معينة بمناصرة أهلها يوسع من نطاق الدماء و المواجهات ،و هذا ما حدث بالفعل في جونقلي وأعالي النيل حيث تبين أن هنالك صلات قوية بين الضحايا و المتداخلين من جانب الجيش الشعبي ، ذلك أن الجنوب حتى الآن لا يملك شرطة بالمعني القانوني المهني للشرطة و لا أجهزة عدلية تتدخل لمعاقبة الجناة و المتصارعين ،و كل ما هناك أن الجيش الشعبي يتدخل فيتوسع نطاق الصراع و لا تحل المشكلة.
أما الثالثة فان حكومة الجنوب نفسها و فضلاً عن تهاونها و عجزها عن حل المشكلة على اعتبار أن تدخلها يستلزم دفع استحقاقات لا تريدها ، فإنها تبدو إلى درجة ما تستفيد من المناخ العام للعنف هذا و الصراع ، فهو يتيح لها القضاء على شوكة بعض القبائل ،و إنهاك بعضها حتى لا تزاحمها في السلطة أو تتطلع للعب دور ما.
و هكذا يمكن القول أن العنف القبلي في الجنوب و الصراع الدامي فيه هو في الحقيقة نتاج أخطاء و سياسيات خاصة بالحركة الشعبية وحدها و من السهل أدارك ذلك حين اتهمت الحركة ، المؤتمر الوطني بالوقوف وراء هذا العنف فالاتهام هنا غرضه الأساسي هو محاولة التغطية على حجم العنف و آثاره و توجيه الأنظار إلى جهة أخري مختلفة ،و إلا فان أسباب العنف و إمكانية معالجته سهلة و متاحة لو أن الحركة الشعبية تريد الحل فعلاً ، و يقول لنا مصدر جنوبي هاتفناه فى جونقلي أن السلاطين في الجنوب بدأوا في اتخاذ إستراتيجية تقضي بأن تتسلح كل قبيلة تسليحاً كافياً حتى تستطيع حماية نفسها و هو أمر يتصادم تماماً مع سياسة جمع السلاح التي يراد لها أن تحد من هذا العنف ، فقد رفض السلاطين تسليم السلاح في ظل غياب أي جهات مختصة توفر لهم الحماية ، و في ظل وجود أفراد و قادة في الجيش الشعبي لهم مصلحة في التدخل لحماية قبائلهم ضد قبائل أخري ، فالأمر وراءه الحركة الشعبية و حله أيضاً بيدها